لقد أحدثت أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تغييرًا جذريًا في ديناميكيات مكان العمل وقامت العديد من الشركات بتقديم خيار "العمل من المنزل لموظفيها". لقد تحولت الأزمة لتكون بمثابة اختبار للعمل عن بُعد القائم على التقنية. ويومًا بعد يوم، تعلم الموظفين طرقًا جديدة لتعزيز الإنتاجية والمشاركة بفعالية مع الزملاء والشركاء والعملاء باستخدام طرق العمل عن بُعد.
سيُظهر هذا الاختبار أيضًا مدى فعالية المؤسسات في إدارة مهام الموظفين ومراحل المشروع وتحقيق أهداف العملاء.
جدير بالذكر أنه لا يمكننا إصدار تقييم لنتائج هذا الاختبار في الوقت الراهن؛ ومع ذلك، لا يمكننا تطبيق مقاييس محددة لتقييم معدل النجاح. لقد مرت أسابيع قليلة منذ أن اضطررنا لتطبيق سياسة العمل عن بُعد فضلاً عن ذلك تعطلت شركات عديدة في شتى أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، تعلمنا طرقًا جديدة لإجراء الأعمال باستخدام هذا النموذج. دعونا نتقصى الدروس المستفادة من ذلك إلى الآن
الدروس الرئيسية المستفادة والملاحظات التي تم رصدها إلى الآن
بعد جائحة كورونا، ستتغير مساحة المؤسسات إلى الأبد. حيث تستثمر الشركات في الميزات التي من شأنها العمل على تعزيز الوصول إليها والتسهيل على موظفيها التواصل عن بُعد. وحتى بعد أن تنقضي الجائحة، سيستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يعود العالم إلى سابق عهده "طبيعيًا". ومع تزايد عدد الأشخاص الذين يقومون بتنمية مهاراتهم الشخصية لإنجاز أعمالهم عن بُعد؛ سيكون أمرًا طبيعيًا بالنسبة للشركات التفكير في استثماراتها في البنية الأساسية المادية مما قد يؤدي بدوره إلى أن نشهد انخفاضًا كبيرًا في مساحات المكاتب. قبل أيامًا قليلة، ألمح أحد قادة شركة تاتا للخدمات الاستشارية (TCS) بإمكانية أن تعمل الشركات من المكاتب بنسبة 25% من طاقتها الاستيعابية؛ أما النسبة الباقية فستعمل عن بُعد.
المشاركة مع بعضهم البعض على نحو جيد. فعلى الرغم من نجاح رسائل البريد الإلكتروني والمحادثات في إنجاز الأعمال وجعلنا على اتصال دائم ببعضنا البعض إلا أنها فشلت في إشراكنا على النحو الصحيح. وهذه هو السبب، حيث ارتفع الطلب على تطبيقات المؤتمرات مثل تطبيق زووم (Zoom) ميكروسوفت تيمز (Microsoft Teams) بشكل غير مسبوق. وعلى ذكر الأرقام والاحصائيات، حقق تطبيق زووم زيادة بنسبة 700% في العدد اليومي لمستخدميه في شهر مارس 2020. لقد دفعت جائحة كورونا الناس حرفيًا إلى الاستعانة بهذه المنصات ومثيلاتها ودفع الشركات التي تملك هذه المنصات نحو توسيع استثماراتها لجعل "تجربة المؤتمرات الافتراضية مرنة" بالكامل.
أما عن الجانب النفسي، فمما لا شك فيه أن التحول إلى العمل عن بُعد سيؤدي إلى ظهور العديد من المشكلات النفسية. إذ أنه من المتعارف علية أن العمل في بيئة المكتب (البيئة المكتبية) والتواصل مع زملاء العمل يخفف من الضغط ويزيد من العمل بروح الفريق الواحد. ولا يمكن تحقيق ذلك من خلال الرفقاء ممن لا يجمعهم إلا الاتصال عبر الوسائط الافتراضية فقط. علاوة على ذلك، يعمل اجتماع الفريق مع بعضه البعص في غرفة الاجتماعات وتبادلهم طرح الأفكار حول التحديات على التعجيل بإجراءات اتخاذ القرارات.
ويمنح هذا التحول للعمل عن بُعد أيضًا درسًا مستفادًا للموظفين الذين يعتقدون بأنهم قادرون على تحقيق النجاح فقط من خلال العمل عن بُعد حال التزامهم بأفضل الممارسات المُحددة واتباعهم تدابير الانضباط الذاتي. ومن بين هذه التدابير إنشاء مساحات عمل منفصلة وعدم دمجها مع مساحات المعيشة، والسيطرة على الضوضاء وتحديد أوقات للراحة ووضع جدول ثابت للعمل وما إلى ذلك من تدابير. فضلاً عن ذلك، يجب أن يكون هناك توازن من نوع خاص بين العمل من المنزل والعمل من المكتب.
يُعد من المهم للشركات أن تحرص على إنشاء تحديات الاتصالات المناسبة التي تحفز الموظفين، وتبعث في أنفسهم روح الفريق وتذكرهم بمسؤولية تولي إنجاز المهام لتحقيق الهدف المشترك. لا يمكن تحقيق روح الزمالة التي تأتي بالتعاون في العمل إلا إذا شعر الموظفون بالحماس تجاه مكان العمل. وخلال هذه الفترة، يضطلع المدراء وقادة الفرق بمسؤولية إشراك فرقهم في تمارين بناء الفريق الافتراضية.
بعض أفضل الممارسات للعمل من المنزل
من الأهمية بمكان بالنسبة للموظفين والقادة والمديرين والمؤسسات اعتماد بعض أفضل الممارسات من أجل تحقيق النجاح في بيئة العمل الجديدة هذه. حيت لن تجدي العادات والممارسات القديمة نفعًا في هذا النظام. يمكن للشركات والموظفين الاطلاع على أفضل الممارسات في الصفحات التالية:
القيام بعمل تهيئة (تكيف) نفسية سريعة
لقد اعتدنا على الروتين الخاص بنا، إذ سيستغرق الأمر بعض الوقت عند الرغبة في تعديله إلى روتين جديد. وكذلك يكون الأمر غاية في الصعوبة وبخاصة عندما ينطوي هذا الروتين على العمل لعدة أسابيع دون أن يكون لديك القدرة على مغادرة المنزل. بعد فترة من الوقت يصبح الإرهاق النفسي واضحًا، ومن المهم للغاية أن ينتقل القادة إلى ذلك الوضع الجديد دون إهدار الكثير من الوقت. إذ أن هذه الجائحة لن تختفي بشكل فجائي وحتى وإن حدث ذلك، سيستغرق الأمر عدة شهور لتعود الأمور إلى سابق عهدها "طبيعية". من المهم بالنسبة للقادة أن يضعوا هذا التغيير نصب أعينهم وأن يتبنوا فكرة هذا التغيير بدلاً من التضرع من أجل انتهاء هذه الجائحة بسرعة.
فصْل مكان العمل عن مكان المعيشة
تذكر دائمًا أن مكان معيشتك ليس هو مكان عملك! من الضروري أن يكون هناك فاصل بين الاثنين حتى يتسنى لك اتباع الممارسات الفعالة في مكان العمل. ولن يجعلك هذا الإجراء أكثر إنتاجية فحسب بل سيقلل أيضًا من التوتر والضغط النفسي. ومثال على ذلك؛ إذا كنت تعمل وأنت تشاهد التلفاز في نفس الوقت سيستنفذ عقلك قواه الذهنية بشكل أسرع وفي النهاية سيؤثر ذلك بالسلب على عملك.
اتخاذ فترات راحة منتظمة (متكررة)
من المستحسن أن تأخذ فترات راحة كل ساعة. حيث سيفيدك كثيرًا القيام بالتجول لمدة قصيرة لغرفة المعيشة أو الشرفة. لن يؤدي ذلك إلى إعادة شحن طاقتك فحسب بل سيجعلك أيضًا نشيطًا طوال اليوم. حيث أن الجلوس لساعات وأخذ فترة راحة واحدة أو فترتين في اليوم سيزيد من مستوى التوتر. من المهم أيضًا أن تحافظ على حيويتك طوال اليوم.
الحفاظ على "الشغف بالتكنولوجيا"
تحل التكنولوجيا محل صديقنا المُقرب (وفي بعض الأحيان تكون صديقنا الوحيد) خلال فترة الحظر هذه. حيث يمكن أن تيسر التكنولوجيا قيامنا بالأعمال وتساعدنا في تحقيق أهدافنا بسرعة. ومع ذلك، لسنا دائمًا على دراية بهذه الميزات البسيطة والنافعة الموجودة في التطبيقات التي نستخدمها طوال الوقت. فهذه الميزات موجودة لسبب ما، وفي الوقت الراهن لدينا متسع من الوقت والحافز لاستكشاف خبايا هذه التطبيقات. يمكننا البحث على الإنترنت، وسؤال زملائنا ثم مشاركة النتائج. ستحافظ هذه الطريقة على مشاركة بعضنا البعض وستصبح مهمة كل فرد أسهل.
الاحتفاظ بدفتر يوميات
لم يسبق لنا وأن مررنا بهذه الظروف، ولم يكن لدى أحد استعدادًا أو تلقى تدريبًا من أجل ذلك. وبالتالي، يعتمد تثقيفنا على استيعاب خبراتنا والتركيز من أجل اكتساب هذه الخبرات. يساهم الاحتفاظ بدفتر يوميات في تدوين الدروس المستفادة فيه وتوصيلها على نطاق واسع إلى فريقك، مما لن يرتقي بك فحسب بل سيرتقي بفريقك بالكامل أيضًا.
الأفكار النهائية
بوجه عام، إننا نمر بفترة عصيبة من عدم التيقن (الشك) ويعتمد نجاح هذه التجربة على الذاتية في المقام الأول. وتحتاج المؤسسات إلى تنبي أفضل الممارسات على وجه السرعة والتكيف بنجاح مع هذا الوضع "الطبيعي الجديد". يوجد الكثير من الفرص السانحة، ولكن لن ينجح الجميع في اغتنامها. وكما قال تشارلز داروين، عالم الطبيعة الشهير ومؤسس نظرية التطور، البقاء ليس للأقوى ولا للأذكى إنما البقاء للأكثر استجابة للتغيير.